Thursday, March 25, 2010

لقاء




منعها كبرياؤها من ان تستشير أحداً، رغم إحساسها بالحاجة إلى نصيحة ما. بالمقابل، فقد منعت نفسها من أن تستسلم للحكاية تماماً، فكانت تجد في الأعباء والمسؤوليّات اليوميّة مهرباً من تفكيرها به... إلى أن تعود فتلتقيه، فيعاودها الشعور ذاته بأنّ فيه ما يخصّها، شخصيّة كأنّما خُلقت وتكونّت لها وحدها، ممّا يُربكها من جديد، فتمضي سارحة تقاوم شعوراً بالضعف يُغيظها ويُسعدها في آن معاً! ثمّ لتقف عند محل للأزهار طويلاً، يمكن لباقة من الورد أن تقول الكثير... وسرعان ما تهزأ من الفكرة، إذ ستبدو قفزة رعناء أمام نمط من التعامل الرسمي بينهما، خاصّة وأنّه يتحدّث معها في كل شيء، فهو رجل يتقن البحث في كل الأمور العظيمة الخطيرة ابتداءً بالمستقبل الزراعي للقطب الجنوبي... وانتهاءً بسيطرة (الأنا) في مملكة الديناصورات البائدة! وهكذا، تعود لتقف مرّة أخرى أمام دار للكتب، يمكن أن تبتاع أحد الكتب وتبعث به إليه... علّه يفهم! ولا تشعر بجدوى هذه الحركة أيضاً، فقد يقرؤه ويعجب به، أو يفتعل الإعجاب به، ثمّ يشكرها بوقار مُبدياً إعجابه بحسن اختيارها وبعقلها وحكمتها... هذه التهم التي تحاول أن تُنفيها له بكل الوسائل!

واستوقفتها ذات يوم وهي في طريقها إليه، رائحة حلوى طازجة، وفي لحظة مجنونة، دخلت المحل وقرّرت بتلقائيّة وبساطة أن تبتاع له بعضاً منها... وكانت تهمّ بدفع ثمنها حين أفاقت فجأة... لتسأل نفسها بسرعة: ماذا أفعل، ماذا سيقول عنّي، أيّة تفاهة أقترف؟ لقد بدأت أعاني من أعراض بلاهة حقيقيّة، هذا مُحتمل جدّاً، بل واضح، لا هذا مؤكّد! وهرعت خارج المحل تاركة البائع ينظر نحوها بذهول تارّة، وإلى الحلوى بذهول أشدّ تارّة أخرى.

وقرّرت في لحظة ما، أن تكفّ عن كل هلوساتها هذه، وأقنعت نفسها بأنّها لم تُخلق للمبادرات، خاصّة هذا النوع المُربك منها! قرّرت هذا وأسلمت أيّامها للرتابة من جديد، دون أن تعلم أنّه في اللحظة التي كانت تتأمّل فيها بعض الورود، كان يقلِّب هو هاتفهُ بحيرة، ويبحث جاهداً عن سبب ما يتذرّع به للاتّصال بها، وأنّه عدل عن فكرته لمّا خشي أن تُسيء فهمه...

ولم تعلم أنّه يفتعل الخوض في أحاديث شتّى كلّما التقيا، وذلك حتّى لا يترك دقيقة للصمت تفضح ارتباكه امامها! ولم تكن لديها أدنى فكرة عن حيرته في أمرها، إذ كانت تبدو له جادّة، متحفّظة، ولم يعرف كيف يمكن تخطّي هذه المسافة البسيطة المعقّدة بينها وبينه.

ومضت سنوات، والتقيا مؤخّراً، فكان أوّل ما قالته لنفسها: كان يمكن أن أعيش قصّة جميلة معه لو أنّي كنت أقلّ تردّداً...

وكان يقول لنفسه في اللحظة ذاتها: كان يمكن أن أعقد صداقة أبديّة مع هاتين العينين لو كنت أكثر جرأة! ومضيا يتحدّثان في شؤون الساعة بشكل يبدو طبيعيّاً تماماً!
د.لانا مامكغ

No comments:

Post a Comment