Thursday, March 25, 2010

العبق





ربما كانت هي المرة الأولى التي تنهض فيها من الفراش باكراً دون أن ترهق والدتها بالنداءات الصباحية المتكررة.

وحين وقفت أمام النافذة لتنظر نحو الشمس مبتسمة... لم تنتبه إلى الدهشة التي ارتسمت على وجه الوالدة، دهشة ازدادت واتسعت حين استعدت هي للتوجه إلى عملها دون أن تسأل بفضول عن وجبة الغداء كما جرت العادة...

وللمرة الأولى أيضاً، وقبل خروجها، وجدت نفسها تتسلق سور المنزل لتقطف باقة صغيرة من الياسمين شاءت أن تزين بها مكتبها، ولم تنتبه إلى ابتسامة الجار المتقاعد الذي لفتت اهتمامه، ولا إلى توسلات الوالدة لها وهي ترجوها الحذر، بعد كل تلك الجلبة التي أحدثتها وهي تصر على تسلق السور كطفلة شقية! ثم خطر لها أن تذهب إلى عملها سيراً على الأقدام... فسارت قليلاً إلى أن ارتأت أن تستقل أحد التكسيات حين خشيت على الباقة من الذبول! استقلت إحدى السيارات وبصوت موسيقي قالت للسائق: صباح الخيرات... ثم وصلها من المذياع صوت فيروز في أغنية تتحدث عن القمر الذي صار أكبر... وعن العصفورة التي صارت تأكل من يدها اللوز والسكر... ووصل صوتها إلى السائق تدندن مع الأغنية وهي سارحة تحدق من النافذة، فأجّل سؤاله عن وجهتها إلى أن انتهت الأغنية، وكرر السؤال... ولم تجب... فتوقف جانباً للفت انتباهها، وسألها مرة أخرى، فأجابته أخيراً، ليوصلها إلى حيث قالت وهو يخفي ابتسامة بصعوبة! عند المبنى حيث تعمل، حيّت الحارس بحرارة، وكذلك موظف الاستقبال، وألقت تحية الصباح على كل الموظفين بمودة استثنائية، وجلست في مكتبها وهي تقول لمن حولها دون أن تنظر نحوهم: يوم جميل هه؟. ولم يهمها أن تسمع الإجابة، ما شغلها هو أن تجد آنية مناسبة لباقة الياسمين! ومضى نهارها بسرعة، وحين عادت إلى المنزل، وجلست لتناول الغداء، سرحت مرة أخرى، ولم تسمع الوالدة وهي تسألها عن سبب إحجامها عن تناول الطعام...

ولم تسمع نفسها وهي تجيب بجمل متقطعة مبهمة غير مفهومة! في الليل، جلست في فراشها تفكر وتقول لنفسها: جميل أن أحداً ممن حولي لم ينتبه... رائع أنهم لا يعرفون شيئاً... بعض الأحداث الساحرة التي تحدث لنا... يجب أن يبقى سراً .

واستغرقت في النوم أخيراً دون أن تدري أن الوالدة، والجار المتقاعد، والسائق، والحارس، وموظف الاستقبال، وكل الزميلات... عرفوا أنها تعيش حالة حب

د.لانا مامكغ

No comments:

Post a Comment