Thursday, March 25, 2010

متاهة


لم يحدث أن كتبت له رسالة حب... ولم يحدث أن سرح في عينيها، أو فكّر في تقييم جمالها، ولم تشهد أيّة زاوية في أي مطعم هاديء لقاء لهما، ولم تؤرق مكالمتهما المقتضبة أجهزة الهاتف، ثمّ لم يحدث أن تبادلا أيّة هدايا، سوى بعض الكتب بين الحين والآخر، حيث كان كل منهما يرهق الآخر بالسؤال عنها فيما إذا تأخّر في ردّها! وكثيراً ما احتدم النقاش بينهما على أمور هامشية حيناً، أو مسائل جادة حيناً آخر، وكانت ترى أنّ له أفكاراً سطحيّة جدًّا في بعض المواضيع، وكثيراً ما اتّهمها بالسخف حين كانت تحتدّ في دفاعها عن رأيها في قضيّة ما.

وكثيراً ما أقرضته بعض المال في نهايات الشهر دون أن يطلب ذلك منها مباشرة فقد كانت على علم بأيّام بؤسه وبأيّام نعيمه، وكثيراً ما ساندها مادياً حين كانت تداهم بمناسبة عائليّة أو اجتماعيّة تستدعي الإهداء ثمّ كانا يصفيان ديونهما لبعضهما بعضاً بشكل آلي وبعد حسابات دقيقة أحياناً...

فيما كانا ينسيان ديوناً أخرى بينهما أحياناً أخرى! وكانت تغيب، فلا يزعجه غيابها، وكان يسافر، ولم يحدث أن انتظرت عودته، ولم يكن وجودهما معاً في أي مكان يثير ريبة أحد، ولا يفتح قابليّة أكثر الناس ثرثرة على الهمس في شأنهما.

كان يرى فيها زميل عمل مريحاً تصادف أنّه (امرأة)، وكانت ترى فيه زميلة وصديقة، تصادف أنّها (رجل).

وشاءت الظروف أن يتزوّج... وشاءت المناسبة أن تتعرّف زوجته بها، فبات ينام ويصحو على حديث زوجته عنها... إمّا مباشرة وإمّا بألف أسلوب مبطن، ولم يدرك أنّها كانت قد صمّمت على أن تبعده عن هذه المخلوقة بأيّة وسيلة، وذلك من باب الحفاظ على ما يسمّى بمملكتها الصغيرة! وشاءت الظروف أن تتزوّج هي بدورها، فجنّ جنون الزوج في الشهر الأول حين كان يسمعها تردّد بعض آرائه في بعض القضايا العامّة، وتذكر اسمه بلا ألقاب...

ومضى يحيطها بملاحظات تتعلّق بشكلها وهيئتها كلّما لمحها تخرج إلى العمل، وأعاد عليها مرّات عديدة رغبته في أن تطلب نقلها من المكتب الذي يعمل فيه صاحبنا، ولم تنفع تأكيداتها على أنّه زميل، مجرّد زميل... ولم تنفعها ثورتها وغضبها أمام رنّة الشك والاتّهام في أقواله. كان مصراً على أن يبعدها عنه... كان حازماً في موقفه هذا، من منطلق الحفاظ على سمعته وشرفه! ومضت شهور طويلة ثقيلة على كليهما، حتى فوجيء صاحبنا بها تطلب النقل إلى مكتب آخر، ولاحظ اضطرابها وارتباكها وهي تقدّم تبريرها للانتقال، مع هذا ترك جزءاً في داخله يستريح، وهيّأ نفسه لنقل الخبر السعيد إلى الزوجة الحريصة! إلا أنّ جزءاً آخر فيه، كان قد أفاق على جملة ميزات لهذه المرأة لم يكن قد التفت إليها يوماً، ولم يدركها إلا من خلال حديث زوجته المتواصل عنها، وغيرتها الشديدة منها، فترك نفسه لإحساس غامض لم يستطع تفسيره، شعور لم يعهده من قبل، شعور يشبه الافتقاد لها...

أمّا هي، فإنّها أمام تعنّت الزوج العزيز، وشكوكه المؤلمة التي ألقاها اعتباطاً... فقد باتت تشارك صاحبنا المشاعر ذاتها!
د.لانا مامكغ

No comments:

Post a Comment