Wednesday, August 25, 2010

الوردة


   1165429627
لم يستطع مقاومة انقباض ما داهمه بمجرّد دخوله إلى مكتبه في الصباح. نظر حوله، تأفّف، ثمّ وقف أمام النافذة، تأمّل الازدحام وقوافل السيّارات، فزاد إحساسه بالانقباض، ودار بعينيه المتعبتين يتأمّل الشارع والأبنية المقابلة إلى أن وقع نظره على فناء دائرته، فلفتت انتباهه وردة حمراء... وبدا له أنّه يتخيّل، من أين جاءت؟ لم يلحظ ورداً في هذا الفناء من قبل، أو ربّما أنّ الورود هناك دائماً لكنّه لم يعد يملك القدرة على التأمّل، وأحسّ أنّه كبر... كبر كثيراً! ودون أن يفكّر، تناول ملفّاً كبيراً من خزانة قريبة، وقال لزملائه شيئاً بسرعة ففهموا منه أنّه مضطّر للمغادرة لبعض الوقت لأمر عاجل يتعلّق بالعمل، ثمّ نزل الأدراج بخفّة ليجد نفسه في الفناء أمامها... أمام الوردة، تطلّع حوله لوهلة، ثمّ وفي لحظة ما، وبسرعة خاطفة قطفها، وأخفاها داخل الملف، وهرع إلى الشارع ليلقي نفسه في زحام الصباح من جديد.
وصل إلى مكان عملها... امرأة لم يبادرها بأيّ شكل من الجنون منذ أن أحبّها... وتوجّه إلى مكتبها بخطوات واثقة وهيئة جادّة متسلّحاً بالملف الضخم الذي يوحي أنّه جاء لإتمام عمل مهم للغاية! وفوجئت به يدخل إليها، فذهلت ونظرت إلى زميلاتها بجزع وهي ترحّب به بكلمات مجاملة رسميّة. فوجد نفسه يقول أشياء عن العمل دون أن يفهم ماذا يقول، فيما كانت تتظاهر هي بالاستماع وهي تشعر بقلبها يتراقص كعصفور داخل صدرها. إلى أن همس لها بسرعة: جئتك بوردة، إنّها داخل الملف.
وشهقت، ولجمتها المفاجأة، ثمّ قالت بصوت خافت مضطرب: ضعها عندك تحت الأوراق على يسار المكتب...
وبحركة بوليسيّة انتقلت الوردة إلى حيث أُريد لها، ومكث هو قليلاً، ثمّ تأبّط الملف الكبير، ورسم الملامح الجادّة نفسها على وجهه وخرج!
ومضى النهار والوردة هناك تحت كومة الأوراق دون أن تجرُؤ هي على إخراجها، وهكذا إلى أن حان وقت الإنصراف، فتناولتها بسرعة وأخفتها داخل حقيبتها وخرجت.
كان يوماً حاراً، والأزمة كانت على أشدها، فوصلت إلى بيتها مرهقة لتلقي نفسها على أقرب مقعد. ولم تمض ثوان حتّى قفزت من مكانها فجأة، وهرعت نحو الحقيبة، فأخرجت الوردة بحرص شديد ووضعتها في كوب ماء ونقلتها إلى غرفتها.
مضى وقت ما، فأحسّت الوردة بانتعاش، وتطلّعت حولها فشعرت بألفة مع المكان، التقطت أنفاسها أخيراً، وبدأت تستعيد رحلتها منذ الصباح... فبدا كأنّها ضحكت قليلاً عليه وعليها معاً!
د. لانا مامكغ

1 comment: